لم يَعُد نموذج "سي السيد" أو الرجل المتسلِّط في أسرته كفيل بنجاح الزواج هذه الأيام واستمرارها، على عكس ما كان عليه الأمر سابقًا، عندما كانت كلمة أجدادنا "الرجال" لا يمكن أن "تصبح كلمتين"، ولم تكن جداتنا يَقْوين على رد الحديث أو النقاش فيه، فأمرهم مطاع وكلامهم مستجاب.
وفي تراثنا العربي ما يشير إلى ذلك ويعززه حيث توصي الأم ابنها أن يقطع رأس القطة أمام زوجته من أول ليلة "دليل فرض هيبته وسلطته". ونشير هنا إلى أن نسب الطلاق في تلك الأيام لا تقارن البتة بما هي عليه الآن من تزايد مطرد.
الآن وبحكم مرور مجتمعاتنا العربية بمرحلة انتقالية، وما رافق ذلك من تغير في مجمل أشكال العلاقات الاجتماعية، لا سيما ما يتعلق بمكانة المرأة وحقوقها، فإنك تكاد تشعر أن العلاقة بين الأزواج أصبحت تنافسية أو ندية بحيث يأخذ بزمام السلطة من يثبت جدارته في بداية الحياة الزوجية، ويعكس قدرة أكبر على اتخاذ القرارات وتسيير أمور الأسرة، بالطبع فإن الزوج يرفض في قراره نفسه مثل هذا النوع من العلاقة، ويعتبره إهانة لكرامته وانتقاصًا من رجولته - وكذلك المجتمع - ولكن بعضهم يرضخ لها بحكم ظروف اجتماعية أو اقتصادية معينة، أو عندما تستخدم المرأة أساليبها الخاصة في ذلك، فتجعل زوجها سعيدًا بحكمها وإدارتها.
و الدين الإسلامي يشير في عدد من النصوص إلى طبيعة العلاقة التي تحكم المرأة والرجل، وهي كثيرة جدًا ليس هنا مجال لسردها.
ولكنني أشير فقط إلى أن البعض قد أساء فهم هذه النصوص، واتخذت ذريعة من قبل الرجال لتبرير تصرفاتهم غير الإنسانية تجاه زوجاتهم في حين أغفلوا العديد من النصوص التي تزن العلاقة بين الطرفين، والتي تدعو إلى المودة والرحمة والعشرة بالمعروف وغير ذلك.
سأورد هنا تفصيلاً لنتائج إحدى الدراسات التي أجريت حديثًا في المجتمع الأمريكي، لا من باب التدليل على شيء، وإنما من باب الإطلاع والمعرفة، لعلكم تصابون بالدهشة تمامًا كما حصل معي بعد أن قرأت ملخصًا لدراسة علمية أُجريت حديثًا في أمريكا وبلسان عالم النفس الأمريكي جون جوتمان من جامعة واشنطن؛ الذي يعلن: "على الرجال الذين يريدون لزواجهم النجاح والاستمرار أن يقوموا بعمل ما تقترحه عليه زوجاتهم".
ليس هذا فحسب وإنما أثبت جوتمان -على عكس ما كان يعتقد سابقًا -أن النصائح التي تسدى إلى الأزواج باتباع طرق "الاستماع الفعال" لحل المشاكل والاختلافات بين الزوجين هي طرق فاشلة، وأن الأزواج الذين اتبعوا هذه الطرق لم تقل نسب الطلاق بينهم يقول جوتمان: "لقد أظهرت تحليلاتنا العلمية أن حل المشاكل الزوجية لا يمكن بالاستماع الفعال بين الزوجين، وأن تطبيق هذا الأسلوب لم يؤدِّ إلى زواج ناجح".
يتابع جوتمان: "الاستماع الفعال هو عندما يعيد أحد الزوجين ما قاله الآخر أو يعيد صياغته (إذن، ما سمعته أنك تقول …) هو أسلوب غير طبيعي ويتطلب كثيرًا من الزوجين عندما يكونا وسط صراع حامي الوطيس، إن الطلب من الأزواج أن يتعاملوا بهذا الأسلوب هو كأنك تطلب منهم ممارسة رياضة جمبازية عاطفية" !!
استند جوتمان في أقواله إلى دراسته العلمية التي أجراها على 130 حالة من الأزواج الجدد لمعرفة طرائق نجاح أو فشل الزواج، حيث راقب جوتمان وفريقه كيف يتصرف الزوجان عند الاختلاف أو عند حدوث مشكلة، وتتبعوا انفعالاتهم لمدة ستة أشهر متتالية؛ ووجد أن الأزواج الذين اتبعوا أسلوب الاستماع الفعال لم يكن زواجهم أنجح من أولئك الذين لم يتبعوه، وأن الشيء الوحيد المشترك بين الزيجات الناجحة هو رغبة الزوج في التكيف مع زوجته وتقبل تأثيرها.
فرجاء للرجال إعادة قراءة حديث الشريف:"النساء خلقن من ضلع أعوج" خاصة الجزء الدلالة الذي يتجاهله الرجال:" فإن جئت تقومه كسرته"..وفيه حكمة بالغة!
يقول جوتمان: "إذا أردت أن تغير الزواج يجب الحديث عن الزوج الذكي عاطفيًّا، بعض الأزواج مهرة في تقبل تأثير زوجاتهم، وفي إيجاد وتقبل شيء معقول في شكاوي وتذكر زوجاتهم، البعض الآخر يرفضون أي محاولة للتأثير عليهم من قبل زوجاتهم، هذا نوع عنيف من الرجال الذي يشعر أنه إذا خضع لذلك، فسيخسر كل شيء وسيصبح محكومًا لها".
يختم جوتمان بقوله : "لا بد أن يكون هناك نوع من اللباقة، على الرجال أن يتفهموا أكثر أوضاع زوجاتهم، وعلى النساء أن يكن أكثر لباقة في بداية أي نقاش".
فلا حاكم ولا محكوم ، وإنما تشاور وتوزيع أدوار وتحمل مسئولية مشتركة.