لقد أثبتت الدراسات بشكل مطلق وقاطع أن الدهون المهدرجة جزئيا، والتي يطلق عليها إسم “دهون ترانس” هي غير آمنة لاستهلاك الإنسان. وتجري عملية هدرجة الزيوت النباتية عن طريق تسخينها إلى درجات حرارة عالية باضافة ذرات الهيدروجين صناعيا تحت الضغط العالي فتتغيّر البنية الفراغية للجزئيات لتصبح صلبة القوام ويتحوّل الزيت السائل الى سمن نباتى أو دهن صلب مثل المارجرين. أما في عملية الهدرجة الجزئية التي تنتج فيها الأحماض الدهنية “ترانس”، لا يصبح الزيت صلباً وإنما يكون قوامه وسطاً بين السيولة والصلابة. وقد بدأت شركات التصنيع الغذائي منذ حوالي مئة عام باستخدام الدهون المهدرجة كاملة أوجزئيا بهدف اطالة مدة صلاحية المنتوج وكذلك تحسين مذاقه ونكهته.
وبسبب الأضرار الصحيّة الجمة للأحماض الدهنية المهدرجة جزئيا، والتي سأتناولها لاحقا، فرضت عدة دول في العالم مثل الدنمارك، سويسرا، ايسلاند، والسويد قيودا على تصنيع وبيع منتجات غذائية تحتوي على الدهون المهدرجة جزئيا. وفي الولايات المتحدة، فقد أعلنت مؤخرا وكالة الأغذية والأدوية (FDA) بعزمها حظر استخدام الدهون المشبعة “ترانس” في التصنيع الغذائي والمطاعم في القريب العاجل. ويأتي هذت القرار بهدف إخفائها نهائيا من الأسواق وحماية المستهلك من أضرارها الصحيّة.
ويستهلك الكثيرون في مجتمعنا، خاصة الأطفال والمراهقون والشباب، كميات عالية من هذه الدهون بسبب جهلهم بوجودها في الأغذية وكذلك بمضارها الصحيّة الخطيرة. ويشار أن الدهون “ترانس” تتواجد في معظم أنواع المنتجات الغذائية المصنّعة مثل السمنة النباتية، المارجرين، مبيّض القهوة، البسكويت، الحمّص المصنّع، زبدة الفستق، الشوربات الجاهزة، البيتزا المفرّزة، الوجبات السريعة، النقرشات المصنّعة المالحة والحلوة، البوريكس، الكرواسون، المايونيز، وغيرها.
أما الأخطار الصحية للدهون “ترانس”، فهي عديدة، وأهمها ما يلي:
• أمراض القلب والشرايين:
تحتل الدهون المهدرجة المكان الأول في لائحة الأغذية المسببة لأمراض القلب والشرايين. ويقدّر أنها مسؤولة عن وفاة 30 ألف – 100 ألف شخص من كل عام بالجلطات القلبية والدماغية في الولايات المتحدة. وقد كشفت دراسة اشتملت على 120 ألف ممرّضة أن كل زيادة في استهلاك الدهون المهدرجة جزئيا بمقدار 2% من السعرات الحرارية المستهلكة يرفع من خطر الإصابة بأمراض القلب والشراينن بمقدار 100%. وقد كشف العلماء أن الدهون المهدرجة جزئيا ترفع من مستوى الكولسترول لضار LDL كما وتخفّض من مستوى الكولسترول الجيد HDL مما يشجّع تراكم الدهون على جدران الشرايين.
• السمنة والكرش:
قد تكون الدهون “ترانس” ببساطة السبب وراء صعوبة تخفيض الوزن والتخلص من الكرش على الرغم من اتباع الحميات الغذائية المحتلفة. كشفت الدراسات أن استهلاك الدهون “ترانس” يشجّع بسهولة زيادة الوزن بغض النظر عن مستوى السعرات الحرارية المستهلكة. ولأن الأحماض الدهنية “ترانس” اصطناعية، فإنها تتراكم في منطقة البطن وتتسبب بسهولة بروز الكرش. وقد كشفت الدراسات أن استهلاك الدهون “ترانس” بشكل مزمن يعمل على إعادة توزيع الدهون في الجسم بحيث تتراكم بنسبة عالية في منطقة البطن.
• السكري من النوع 2:
من المحتمل أن الزيادة في استهلاك الدهون “ترانس” هي وراء تفاقم انتشار السمنة والسكري في العقود الأخيرة، حيث أكدت الدراسات أن الدهون “ترانس” تقلل من حساسية الجسم للإنسولين فتساهم في تطوّر مرض السكري من النوع 2.
• الزهايمر:
تلعب الدهون “تراني” دورا في تطوّر مرض الخرف (الزهايمر” حيث يبدو أنها تتسبب بتأجج وإلهاب منطقة الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتعليم.
• الأمراض السرطانية:
بينما لا تزال العلاقة بين الدهون “ترانس” والأمراض السرطانية غير واضحة تمام، الا أن عددا من الدراسات ربط استهلاكها بارتفاع في خطر الإصابة بسرطان البروستات لدى الرجال وبارتفاع بمعدّل 75% في الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء.
• اختلال في وظائف الكبد:
يتم أيض الدهون “ترانس” في الكبد بشكل مختلف عن سائر أنواع الدهون ويعيق عمل أحدى أنزيمات الكبد الضرورية لإنتاج مركبات هامة لوظائف خلايا الجسم.
• العقم لدى النساء:
وجدت دراسة عام 2007 أن كل 2% زيادة في استهلاك السعرات الحرارية من الدهون “ترانس” يرتبط بارتفاع في خطر العقم لدى النساء بمعدّل 73% .
• الإكتئاب:
قام باحثون اسبانيون بتحليل الوجبات الغذائية لأكثر من 12 ألف شخص خلال مدة ست سنوات، ووجدوا أن أولئك الذين يأكلون الدهون “ترانس” كانوا أكثر عرضة للإصابة بالإكتئاب بمعدّل 48% مقارنة مع أولئك الذين لا يتناولون دهون “ترانس”. كما يرتبط استهلاك الدهون “ترانس” بتغررات في تركيب الأحماض الدهنية في الدماغ بحيث يدعم الأفكار الانتحارية.
• العدوانية:
وجدت الدراسات علاقة قوية بين استهلاك دهون “ترانس” الأفكار والتصرفات العدوانية، الا أن الدراسات لم تتناول حتى الآن العلاقة المباشرة بينهما